السبت، 14 أغسطس 2010

فتوى عن مشكلة في الحج

بسم الله الرحمن الرحيم
علي أحمد 13 أغسطس ، الساعة 03:36 مساء .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد ان أستشيرك في هذا الموضوع ... وهو أنني من سكان المدينة المنورة ..ذهبت قبل عامين إلى الحج متمتعاً وكان هذا يوم التروية حيث وصلت إلى مكة الساعة الثانية ليلا أي تبقى على صباح يوم عرفة ثلاث ساعات فاتجهت مباشرة إلى عرفة ومن ثم باقي المناسك إلى يوم التشريق الاول رميت جمرة العقبة وحلقت شعري وخلعت الإحرام جهلاً مني وظناً مني بأن التحلل يتم بحلاقة الشعر.. وجلست إلى يوم التعجل رميت الجمرات الثلاث كل جمرة سبع حصوات وجهلاً مني أيضاً لم أقوم برمي الجمرات بـ 14 حصوة كوني متعجل وخرجت بعد ذلك من منى واتجهت مباشرة إلى المدينة المنورة ولم أقوم بطواف القدوم ولا طواف الإفاضة ولا طواف الوداع ولم أذهب إلى الحرم نهائياً !!!!! فما رأيك أستاذي الكريم كيف أجبرها؟

الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إليك الإجابة مفصلة في نقاط لتكون أقرب للاستيعاب إن شاء الله :
1 – كان لديك الوقت الكافي لإتمام عمرتك ثم الإحرام بحجك لأن وقت عرفة لا ينتهي إلا بفجر يوم العيد ، وليس فجر يوم عرفة .
2 – حيث إنك أحرمت بالأساس متمتعاً ، ولم يقع لك ما يوجب عليك التحول إلى القِران (جمع الحج والعمرة في نية واحدة) فنيتك التحول إلى الحج في هذه الحالة لغوٌ لا أثر له ، وقد وجبت عليك تلك العمرة بإحرامك بها .
3 – لما نويت الحج واتجهت إلى عرفات فقد دخلت في الحج ، وأصبحتَ قارناً (أي جامعاً بين الحج والعمرة في نسك واحد) .
4 – تحللك بلبس ثيابك بعد رمي جمرة العقبة والحلق صحيح ، وليس جهلاً .
5 – رميك للجمرات الثلاث بسبعٍ سبعٍ يوم التعجل هو الصحيح ، واعتقادك أن المتعجل يرمي عن كل جمرة 14 هو الجهل لا ما فعلته .
6 – أما الطامة الكبرى والكارثة العظمى فهي قولك إنك لم تطف للإفاضة ولا للوداع ولم تذهب للحرم نهائيا ، فأي حج هذا ؟ أفليس الحج (للبيت) ؟
7 – لا تستغرب إن قلت لك إنك متلبس بالإحرام منذ سنتين ، فإذا لم يكن حصل منك جماع في هذه الفترة فعليك الآن استشعار أنك محرم بعد التحلل الأول ، أي يحرم عليك الجماع ، وعند الموسم تذهب يوم العيد لطواف الإفاضة ، وتنحر بدنة (ناقة أو جمل) .
8 – إذا كان حصل منك جماع خلال السنتين فيجب عليك حجة كاملة بنية القضاء عن الحجة السابقة ، ويجب عليك قبل البدء فيها أن تعرف ما عليك فعله ، وما عليك تركه بدقة حتى لا تقع في طوامَّ أخرى ، وعليك أيضا نحر بدنة .
9 – عليك في كلتا الحالتين ذبيحتان أخريان (الأفضل أن تكونا من الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم) إحداهما عن انصرافك من العمرة بدون عذر شرعي ، والثانية واجبة أصلاً من أجل القِران .
10 – والله إنه لمما يستغرب أن يبذل الإنسان ماله ووقته وتعب جسده في أمر ثم لا يكلف نفسه أن يتحرى فيه الصواب ويسأل أهل الاختصاص – وما أكثرهم – قبل أن يقع منه ما يقع !!
والله أعلم وأحكم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
اقرأ المزيد

���� : فتوى عن مشكلة في الحج

الأحد، 18 يوليو 2010

أذربيجان والجذور الإسلامية العميقة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه .
وبعد فبانفراط عقد "الاتحاد السوفييتي" دخلت القاموسَ الإعلامي والسياسي مجموعة من الجمهوريات الإسلامية المستقلة التي لم يعرف المعاصرون الكثير عنها ، ومن أهم تلك البلدان وأعرقها تاريخاً ، وأكثرها عطاءً : (جمهورية أذربيجان) التي أود إلقاء ضوء على تاريخها وعطائها من خلال الأسطر التالية :
الفتح الإسلامي :
دخل الإسلام إلى أذربيجان سنة 22 هـ في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، على يد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيادة المغيرة بن شعبة رضي الله ، وكان أول أمير إسلامي عليها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه .
نماذج من عطائها للأمة :
لأذربيجان تاريخ من العطاء الإسلامي عبر القرون ، حتى إن الحافظ المحدِّثَ أبا طاهرٍ السِّلفيَّ قال وكفى به شاهداً وبقوله مفتخَراً :
بلاد أذَرْبِيجانَ في الشرق عندنا ... كأندلس بالغرب في العلم والأدب
فما إن تكادُ الدهرَ تلقى مميزاً ... من أهليهما إلا وقد جدَّ في الطلب
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان - رضي الله عنهم جميعاً - وكان يغازى أهل الشام [أي يجهزهم للغزو] فى فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فكان ذلك سبباً في توحيد المسلمين على القرآن ، حسب العرضة الأخيرة ، وإتلاف ما يخالفها مما نسخ أو لم يثبت .
ومن عطائها أن مَعْنَ بنَ زائدة – الجوادَ المشهور – كان أميراً على أذربيجان فقصده قومٌ من أهل الكوفة فلما صاروا ببابه استأذنوا عليه فدخل الآذنُ فقال : أصلح الله الأمير وفدٌ من أهل العراق ، قال : من أي أهل العراق ؟ قال : من الكوفة ، قال : ائذن لهم ، فدخلوا عليه فنظر إليهم مَعنٌ وهم في هيئة مُزرية ووثب على أريكته وأنشد يقول:
إذا نوبةٌ نابت صديقك فاغتنمْ ... ترقُّبَها فالدهرُ بالناس قالبُ
فأحسنُ ثوبيك الذي هو لابسٌ ... وأفره مُهرَيك الذي هو راكب
وبادرْ بمعروفٍ إذا كنت قادراً ... زوالَ اقتدارٍ فهو عنك يعاقِب
يا غلام اعطهم أربعة آلاف يستعينون بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد ، فقال الغلام : يا سيدي أجعلُها دنانيرَ أم دراهم ؟ فقال مَعنٌ : والله لا تكون همتك أرفعَ من همتي ، صَفِّرها لهم – أي اجعلها ذهباً - فأعطاهم دنانير .
ومن عطاء أذربيجان ما أنجبته من القادة والعلماء والأدباء ، فمنهم :
• محرر القدس من الصليبيين الملك المظفر صلاح الدين الأيوبي (ت 589 هـ ) قال اليونيني : "اتفق أهل التاريخ على أن نجم الدين أيوب [والد صلاح الدين] رحمه الله من دُوَين وهي في آخر عمل أذربيجان من جهة أرَّان" اهـ .
• الإمام المفسر والمتكلم والفقيه والأصولي : عبد الله بن عمر البيضاوي الشافعي (ت 685 هـ) صاحب كتاب "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" المعروف بتفسير البيضاوي ، وكتاب "منهاج الوصول إلى علم الأصول" وكتاب "الغاية القصوى في دراية الفتوى" وغيرها ، قال السبكي في ترجمته : " ودخل تبريز وناظر بها ، وصادف دخوله إليها مجلس درس قد عقد بها لبعض الفضلاء ، فجلس القاضي ناصر الدين في أخريات القوم بحيث لم يعلم به أحد ، فذكر المدرس نكتة زعم أن أحداً من الحاضرين لا يقدر على جوابها ، وطلب من القوم حلها والجواب عنها ، فإن لم يقدروا فالحل فقط ، فإن لم يقدروا فإعادتها ، فلما انتهى من ذكرها شرع القاضي ناصر الدين في الجواب ، فقال له : لا أسمع حتى أعلم أنك فهمتها ، فخيره بين إعادتها بلفظها أو معناها ، فبهت المدرس وقال : أعدها بلفظها ، فأعادها ، ثم حلها وبين أن في تركيبه إياها خللا ، ثم أجاب عنها ، وقابلها في الحال بمثلها ، ودعا المدرس إلى حلها فتعذر عليه ذلك ، فأقامه الوزير من مجلسه وأدناه إلى جانبه" اهـ .
• المقرئ المجود : أبو محمد عبدان بن زرين بن محمد الأذربيجاني الدويني الضرير (ت 544 هـ) .
• الحافظ المحدث الرحال : أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سِلَفَهْ المعروف بالسِّلفي نسبة لجده إبراهيم سلفة، لأنه كان مشقوق إحدى الشفتين ، فكان يقال له "سِلَفه" ومعناه : ثلاث شفاه بلغة العجم ، قال الصفدي :" ودخل بلاد أذربيجان وطافها إلى أن وصل إلى الدربند وكتب بهذه البلاد عن شيوخها" اهـ (ت 576 هـ) .
• الإمام العلم الأديب اللغوي أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد ، المعروف بالخطيب التبريزي ، وإن كانت الخطابة صفةً لأبيه لا له كما نبه عليه القِفطي ، لكنه اشتهر بهذا الوصف ، له : شرح المفضليات ، وشرح الحماسة ، وشرح ديوان أبي الطيب المتنبي ، وشرح سقط الزند ، وشرح المعلقات العشر ، وغيرها ،كان إماماً في علم اللسان ، رحل إلى الشام، وقرأ اللغة على أبي العلاء المعري، وسمع الحديث وحدث؛ وأقرأ اللغة (ت 502 هـ) .
• الإمام المربي العارف بالله تعالى : الشيخ كمال الدين محمد بن أحمد الشماخي الباكَوي ، نسبة إلى (باكو) العاصمة الحالية لأذربيجان (ت 927 هـ) .
• الفقيه الفرَضي : أبو الفضل عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز الشافعي الأُشنُهي ، نسبة إلى "أُشْنُهْ" قرية بأذربيجان (ت 550 هـ) .
• عالم الطب والرياضيات والهندسة وغيرها : السموأل بن يحيى بن عياش المغربي الحاسب ، كان يهوديّاً، فرأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي ليلة جمعة ، فأصبح فأسلم ، وبرع في العلوم الرياضيّة، وكان يتوقّد ذكاءً ، وسكن أذربيجان ونواحيها مدةً ، وله كتاب "المفيد الأوسط" فِي الطبّ وكتاب "إعجاز المهندسين" وكتاب "الردّ على اليهود" وكتاب "القوامي" في الحساب ، ذكر من مصنفاته خمسة وثمانون مصنّفاً في الحساب والمساحة والجبر والهندسة والنجوم والطبّ والأدب وغير ذلك (ت نحو 576 هـ) .
• العلامة أحمد بن محمد الأردبيلي: من فقهاء الشيعة الإمامية وزهادهم (ت 993 هـ ) من كتبه : "مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الاذهان" مجلدان، و "زبدة البيان في شرح آيات احكام القرآن" .
• الجغرافي العالمي : عبد الرشيد بن صالح بن نور الباكَوي ، صاحب كتاب "تلخيص الآثار وعجائب الملك القهار" منه نسخة خطية في مركز الملك فيصل بالرياض (ت بعد 806 هـ) .
بعض مشاهير الصحابة ممن دخل أذربيجان :
بما أن أذربيجان فتحت في عهد مبكر من الإسلام والصحابة متوافرون ، فقد دخلها عددٌ منهم للجهاد والدعوة وتعليم الدين ، فممن دخلها من المشهورين :
الزبير بن العوام : ابنُ أخي السيدة خديجة بنت خويلد ، وأمه صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى ، وكان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه ليرجع إلى الكفر فيقول لا أكفر أبدا ، قتل في الفتنة (36 هـ) .
المغيرة بن شعبة :كان يقال له مغيرة الرأي ، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق ، وكان من دهاة العرب ، وقيل فيه : "لو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالحيلة لخرج المغيرة من أبوابها كلها" اهـ (ت 50 هـ) .
عبد الله بن عمر : أسلم قديما مع أبيه وهو صغير ، بل روي أنه أول مولود ولد في الإسلام ، واستصغر يوم أحد ، وشهد الخندق وما بعدها ، وقد عُرف بشدة التحري للآثار النبوية الشريفة ، وشهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاح (ت 73 هـ) .
حذيفة بن اليمان : صاحب سرِّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنافقين يعلمهم وحده، وأرسله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة الأحزاب سرية وحده ليأتيه بخبر القوم، فوصلهم وجاءه بخبرهم (ت 36 هـ) .
مُلَح أدبية :
قال البُحتري يمدح أهل أذربيجان :
يا أهْلَ حَوْزَةِ أذْرَبِيجَانَ الألى حازُوا المَكَارِمَ مَشْهَداً وَمَغِيبا
ما كانَ نَصْرُكُمُ بمَذْمُومٍ، وَلا إحْسَانُكُمْ بالسّيّئاتِ مَشُوبَا
لَمْ تَقْصُرِ الأيْدِي، وَلَمْ تَنْبُ الظُّبَا مِنْكُمْ، وَلَمْ تَكُنِ المَقَالَةُ حُوبَا
وَأرَى الوَفَاءَ، مُفَرَّقاً وَمُجَمَّعاً، يَحْتَلُّ مِنْكُمْ ألْسُناً وَقُلُوبا
ها إنّ نَجمَكُمُ، عَلى كُرْهِ العِدَى يَعْلُو، وَرِيحَكُمُ تَزِيدُ هُبُوبا .
ومن طرائف الأدب العجيبة ماحكاه الخطيب التبريزي – وهو من أذربيجان – قال : "كنت قاعداً في المسجد بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء المعري أقرا عليه شيئاً من تصانيفه ، قال وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر أحداً من أهل بلدي ، فدخل المسجد مغافصة [أي فجأةً] بعضُ جيراننا للصلاة فرايته وعرفته فتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء : أيش أصابك ؟ فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحداً من أهل بلدي سنين ، فقال لي: قم فكلمه، فقلت: حتى أتمم السبَق [أي أكمل دوري في القراءة] فقال لي: قم أنا انتظر لك ، فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئاً كثيراً إلى أن سألت عن كل ما أردت ؟ فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي : أي لسان هذا ؟ قلت: هذا لسان أذربيجان ، فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري: فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه" اهـ .
طرائف لغوية :
• من ذلك أن في ضبط اسم (أذربيجان) سبعةَ أوجه :
1. أَذَرْبِيجان : بفتح الهمزة والذال وسكون الراء وكسر الباء .
2. أَذَرْبَيجان : بفتح الهمزة والذال وسكون الراء وفتح الباء .
3. أَذْرَبِيجان : بفتح الهمزة وسكون الذال وفتح الراء وكسر الباء .
4. وأَذْرَبَيجان : بفتح الهمزة وسكون الذال وفتح الراء وفتح الباء .
5. آذَرْبِيجان : بالمد وفتح الذال وسكون الراء وكسر الباء .
6. آذَرْبَيجان : بالمد وفتح الذال وسكون الراء وفتح الباء .
7. آذربايجان : بالمدِّ وفتح الذال وسكون الراء وفتح الباء وألفٍ بعدها
وفيه أوجه أخرى ردَّها العلماء .
• ومن الطرائف اللغوية أنه اجتمع في (أذربيجان) خمسة موانع للصرف ، وهي :
1. العلمية .
2. العجمة .
3. الختم بالألف والنون .
4. التركيب المزجي .
5. التأنيث المعنوي .
وفيها ألغز بعض الأدباء فقال :
أيا واحد النقاد في النحو قد أتى ... إلى سؤال حير الفكر وصفُه
فما اسم نرى فيه موانع خمسة ... فإن زالت إحداها تعين صرفُه
فأجابه آخر بقوله :
سؤالك (أذرى) (بي) فأعدمني الحجي ... ومن بعده (جانٍ) على الحب مسرف
زيادة تركيب عليها قد احتوى ... وعجمته بين الموانع تعرف .
وأما قول اللاغز : " فإن زالت إحداها تعين صرفُه" فيعني أن إحدى هذه الموانع إذا زالت تعين صرفه ، وهي العلمية ، لأن هذه الأسباب لا تكون موانع من الصرف إلا مع العلمية ، فإن زالت العلمية بطل حكم البواقي ، ولولا ذلك لكان مثل "قائمة" و"مانعة" و"مطيقة" غير منصرف لأن فيه التأنيث والوصف ، ولكان مثل "الفرند" و"اللجام" غير منصرف لاجتماع العجمة والوصف ، وكذلك الكتمان لأن فيه الألف والنون ، والوصف" .
• ومن الطرائف اللغوية أن النسبة إلى أذربيجان تجوز على ثلاثة أوجه: "أذْرَبي" بالباء ، و"أذْري" بسكون الذال ، و"أذَري" بفتحها ، قال الزبيدي : "الأذربي المنسوب إلى أذربيجان على غير قياس ، قال ابن الأثير : هكذا يقوله العرب ، والقياس أن يقول : أذَري بغير باء ، أي بالتحريك ، كما يقال في النسب إلى رام هرمز : رامي ، وقيل : أذْري بسكون الذال ، لأن النسبة إلى الشطر الأول ، وكلٌّ قد جاء" اهـ .
وبالأوجه الثلاثة روي قول أبي بكر الصديق في وصيته : " والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان" اهـ .
خاتمة حسنة في خبر أويس القرني :
وقد أحببت في خاتمة هذا البحث أن أختمه بفأل حسن طيب وهو خبر أويس القرني دفين أذربيجان رضي الله عنه ورحمه ، وقد ورد فيه قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر : " يأتى عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن ، من مراد ثم من قرن ،كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم ، له والدة هو بها بر ، لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " .
وعن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت ؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل ، قال: كيف الزمان عليك ؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار ، يا أخا مراد، إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا " اهـ
وعن عبد الله بن سلمة قال غزونا أذربيجان زمن عُمَر بن الخطاب ومعنا أويس القرني فلما رجعنا مرض علينا يعني أويس فحملناه فلم يستمسك فمات فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فعلمنا قبره فرجعنا فإذا لا قبور ولا أثر (ت 37 هـ) .
وعن عطاء الخراساني قال :كان أويس يجالس رجلا من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته فإذا هو في خص له قد انقطع من العري فذكر الحديث بطوله وزاد ثم غزا غزوة أذربيجان فمات فتنافس أصحابه في حفر قبره.
هذا أحد القولين في وفاة أويس القرني رضي الله عنه ، والقول الآخر أنه اختفى أيام صفين بعد أن عرفه الناس وطلبوا منه الدعاء .
اللهم ارحم أسلافنا في ديارهم ، وأعتق رقابنا ورقابهم ، واجعل الجنة ميعاداً بيننا وبينهم .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.


---------------------------
الهوامش :
تاريخ الطبري 2 / 535 ، والعبر للذهبي 1 / 19 ، والبداية والنهاية لابن كثير 7 / 136.
نفح الطيب 3 /224.
صحيح البخاري كتاب بدء الوحي ، باب جمع القرآن ن الحديث رقم 4702.
الجليس الصالح والأنيس الناصح 1 / 47 ، والتذكرة الحمدونية 1 / 229.
ذيل مرآة الزمان 1 / 14.
طبقات الشافعية الكبرى 8 / 156.
سير أعلام النبلاء 20 / 256 ، ومختصر تاريخ دمشق 5 / 105.
الوافي بالوفيات 3 / 1 ، والبداية والنهاية 12 / 377 ، وشذرات الذهب 4 / 255 .
العبر 2 / 384 ، وإنباه الرواة 2 / 439 ، والأعلام 8 / 157.
الكواكب السائرة 1 / 14 ، وشذرات الذهب 8 / 155
الأنساب للسمعاني 1 / 171 ، وطبقات الشافعية الكبرى 7 / 172.
الوافي بالوفيات 5 / 149.
الأعلام للزركلي 1 / 234.
كشف الظنون 1 / 471 ، والموسوعة العربية العالمية 2 / 654 .
الطبقات الكبرى لابن سعد 6 / 102 ، والإصابة 2 / 553، وتهذيب الأسماء واللغات 1 / 270.
الثقات لابن حبان 2 / 235 ، والإصابة 6 / 197 ، وتهذيب الأسماء واللغات 1 / 647.
الطبقات الكبرى لابن سعد 4 / 162 ، والإصابة 4 / 181 ، والثقات لابن حبان 3 / 209.
الثقات لابن حبان 2 / 233 ، وتهذيب التهذيب 2 / 193 ، وتهذيب الأسماء واللغات 1 / 214.
ديوان البحتري ص .
نكت الهميان في نكت العميان ص 34 ، ومعاهد التنصيص 1 / 138 .
انظر معجم البلدان 1 / 128 ، وهدي الساري 1 / 75 ، وعمدة القاري 29 / 70 ، والبدر المنير 4 / 546 .
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر 1 / 390 .
انظر تاج العروس 34 / 161 .
تاج العروس 2 / 432 ، ودرة الغواص 1 / 184.
غريب الحديث للخطابي 2 / 38 ، والنهاية لابن الأثير 1 / 66 ، وتهذيب اللغة 15 / 9 .
صحيح مسلم 7 / 189
سير أعلام النبلاء 4 / 30.
انظر طبقات خليفة بن خياط 1 / 246 ، وحلية الأولياء 2 / 83 ، ولسان الميزان لابن حجر2 / 229.
اقرأ المزيد

���� : أذربيجان والجذور الإسلامية العميقة

الأربعاء، 5 مايو 2010

فتوى عن سؤال من أحد المحامين في قضية مالية

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

وبعد:
فقد وردني سؤال من صديق يعمل محامياً ووكيلاً لرجل يملك أرضاً ادعى أن إحدى الشركات المساهمة الكبرى اغتصبتها وبنت عليها مشروعاً استثمارياً ، وبعد ذلك بمدة تصالح الطرفان على أن يقبل مالكُ الأرض بثمنها ، لتصبح ملكاً للشركة ، إلا أن رئيس الشركة ماطل عدة سنوات في إفراغ صكوك الأرض باسم الشركة وما يستلزمه ذلك من انتقال قيمة الأرض من أسهم الشركة لملك البائع منذ يوم الصلح ، فأدى المطلُ المذكور لتأخير حيازة البائع لتلك الأسهم ، وبالتالي لفوات ربح تلك السنوات على بائع الأرض.
فطلب مني الصديق المحامي بحثَ ما يمكن لموكله مطالبةُ الشركة به ، سواء من حيث التعويضُ عن ضرر المطل ، أو من حيث ملكية أرباح تلك الأسهم المعطّلة عن مالكها ، طالباً التركيز على ما يقتضيه المذهب الحنبلي بالخصوص .
فأجبت مستعيناً بالله :
الجواب عن السؤال الأول وهو: هل يستحق موكلكم تعويضاً عن الضرر الذي لحقه من مطل الشركة له والمتمثل في فوات الربح في فترة المطل أم لا ؟

أقول:
لم أجد فيها نصّاً للمتقدمين، وأما المعاصرون فاختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول:
أنه لا حق لصاحب الدين في التعويض المذكور.
وبهذا أفتت المجامع الفقهية، وعدد من العلماء؛ فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ـ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة ـ المتعلق ببيع التقسيط ما يلي: " ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدينُ في دفع الأقساط عن الموعد المحدَّد فلا يجوز إلزامُه أيَّ زيادة على الدَّين بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك رباً محرَّم( ).
وجاء في المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: "لا يجوز اشتراط التعويض الماليِّ ... سواءٌ كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة) أم عن تغيَُر قيمة العملة".
وفيه أيضاً:"لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض الماليِّ نقداً أو عيناً عن تأخير الدَّين( ).
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد: "المادة (1397): لا يضمن الغاصبُ ما فوَّته على المالك من الربح بحبسه مالَ التجارة".
وممن صرَّح بتحريم التعويض المذكور: الأستاذ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة في مجلة الأزهر ص (754) ج 7، السنة 63 رجب 1411هـ، والدكتور نزيه حماد في المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء (ص 295) والدكتور علي السالوس كما في مجلة المجمع الفقهي، العدد السادس (1/ 264) والدكتور تقي العثماني في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة (ص 40) والدكتور محمد القري كما في مجلة المجمع الفقهي، العدد الثامن (3/679).

وهذا القول مؤيَّدٌ بالكتاب والسنة والإجماع السكوتيِّ وسَدِّ الذرائع وأقوال أهل العلم المتقدمين في أمثال هذه القضية:

1 ـ أما الكتاب فقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون).
وجه الدلالة:
أنَّ الآية دلت على أن الدائنَ لا يستحق إلا رأسَ ماله، وهذا العموم يشمل المدينَ الموسرَ والمعسر والماطل.
فالماطل داخلٌ في هذا العموم من جهة أنه يجب عليه وفاءُ رأس المال فقط دون رباً، ولم تستثن الآية من ذلك إلا المعسرَ العاجزَ فيُنظر إلى ميسرته.

2 ـ وأما السنة فلحديث أبي هريرة قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:" مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ ، فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ".( )
قال ابن حجر:"واستدِل به على فسخ البيع إذا امتنع المشتري من أداء الثمن مع قدرته بمطل أو هرب؛ قياساً على الفلس بجامع تعذُّر الوصول إليه حالاً، والأصحُّ من قولي العلماء أنه لا يفسخ، واستدِل به على أن الرجوع إنما يقع في عين المتاع دون زوائده المنفصلة؛ لأنها حدثت على ملك المشتري وليست بمتاع البائع"( ).

3 ـ وأما الإجماع السكوتيُّ فإن مسألة مَطل الأغنياء في الديون ليست مسألة نازلة تحتاج إلى اجتهاد جديد، بل هي من المسائل القديمة والواقعة في كلِّ عصر، ويعاني منها الناس في سائر الأزمان، وباستقراء ما ذكره العلماء السابقون في عقوبة المدين الماطل بغير حق لم نجد عن أحد منهم أنه قضى أو أفتى بالتعويض الماليِّ عن المطل، مع أن فكرة تعويض الدائن عن الأرباح الفائتة والمتوقعة مقابل ماله المحبوس قريبة إلى أذهانـهم - لو كانت جائزة عندهم - إذ هي جزاء من جنس العمل، ومعاملة بنقيض القصد، وقد نصُّوا على عدَّة عقوبات يستحقها الماطل الغنيُّ، كالسجن، والضرب، والمنع من فضول المباحات، وبيع ماله ونحو ذلك، ولم يذكروا التعويض الماليَّ، فدل على أنه متقررٌ عندهم أن التعويضَ الماليَّ للدائن بسبب المطل داخلٌ في الربا المحرم.

4 ـ وأما سدُّ الذرائع فأصلٌ من أصول المالكية والحنابلة أخذاً من قوله تعالى: (ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدوا بغير علم) وما في معناها من النصوص الدالة على منع ما لا ضررَ فيه إذا أدَّى إلى ما فيه ضرر.
ووجه دلالة سدِّ الذرائع على موضوعنا أن التعويض المذكورَ إذا عُمل به صار عرفاً، ولو صار عرفاً لصار شرطاً ـ لأن المعاملات يعتبر فيها العرفُ كالشرط ـ ولو صار شرطاً لصار عينَ ربا الجاهلية المحرَّمَ، كما تقدَّم، وهذا ما حصل بالفعل في المجتمعات التي تتعامل بالربا.

5 ـ وأما أقوالُ أهل العلم المتقدمين فقد سبق أنَّه لا نصَّ لهم في المسألة بعينها، وأقربُ ما ذكروه لها مسائلُ الغصب والسرقة، وفيما يلي بعضُ نصوصهم:
قال ابن المنذر: "وأجمعوا أن السارق إذا قطع ووُجد المتاعُ بعينه، أن المتاع يردُّ على المسروق منه".( )
وقال ابنُ قدامة متحدِّثاً عن المال المغصوب: "وما تتماثل أجزاؤه وتتقارب صفاته كالدراهم والدنانير... ضُمن بمثله بغير خلاف"( ).
وقال في شأن السرقة: "لا يختلف أهلُ العلم في وجوب ردِّ العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية، فأما إن كانت تالفة، فعلى السارق ردُّ قيمتها، أو مثلِها إن كانت مثلية، قطع أو لم يقطع، موسراً كان أو معسراً"( ).

القول الثاني:
أن لصاحب الدين الحقَّ في التعويض.
وممن أخذ بهذا الرأي هيئة الرقابة والفتوى بدار المال الإسلامي.
وممن قال به: العلامة الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ عبد الله بن منيع( )، والدكتور عبد الله المصلح والدكتور صلاح الصاوي( ).

واستدلوا بالسنة والقياس:

1 ـ أما السنة فما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أن مَطل الغنيِّ ظلم وأنه يُحلُّ عرضَه وعقوبته( ).
قالوا: فما دام الحديث نص على أن مطل الغنيِّ ظلم ولم يَرد إجماع يمنع من العقوبة بالمال؛ فكان جزاء وفاقاً.

2 ـ وأما القياس فقاسوه على الغصب ـ بل المطلُ غصبٌ ـ لما يترتب عليه من حرمان الدائن من الانتفاع بماله المحبوس ظلماً عند المدين مع استثماره، وقد نصَّ العلماء على أن الغاصبَ ضامنٌ لما غصبه، فيقاس عليه الماطل في ضمان ما فات من منافع المال نتيجة مطله( ).

الترجيح:
يظهر من أدلة الفريقين ترجيحُ القول الأول، وهو عدم أحقية صاحب الدين الممطول ظلماً بتعويض عن المطل؛ لقوة أدلته، والله أعلم.

السؤال الثاني: من يملك الربحَ الذي نتج عن استثمار المبلغ المستحَقِّ لموكلكم والذي مطلته الشركة بتسليمه واستثمرته مدَّة المطل ؟
والجواب أن الأرباح من حق مالك الدين ـ موكلكم ـ وعلى ذلك نصوص أئمة الحنابلة قاطبة:
1 ـ قال ابنُ قدامة في المقنع( ): "وإن اتَّجر [ يعني الغاصبَ ] بالدراهم فالربحُ لمالكها".
2 ـ وقال في المغني( ): "وإن غصب أثماناً فاتجر بها، أو عُروضاً فباعها واتجر بثمنها فقال أصحابنا: الربح للمالك والسِّلعُ المشتراة له ... وإن حصل خسران فهو على الغاصب لأنه نقص حصل في المغصوب، وإن دفع المالَ إلى من يضارب به فالحكم في الربح على ما ذكرناه، وليس على المالك من أجر العامل شيء؛ لأنه لم يأذن له في العمل في ماله".
3 ـ وقال المرداويُّ في الإنصاف( ) تعليقاً على قول صاحب المقنع: (وإن اتَّجر بالدراهم فالربحُ لمالكها): "يعني إذا اتَّجر بعين المال أو بثمن الأعيان المغصوبة فالمالُ وربحُه لمالكها، وهذا الصحيحُ من المذهب، ونَص عليه [ يعني أحمد ] ونقله الجماعة وعليه الأصحاب".
4 ـ وقال صاحبُ كشاف القناع( ): "وإن اتجر الغاصبُ بعين المال بأن كان دراهمَ أو دنانيرَ فاتجر بها، أو اتجر بثمن عين المغصوب ـ بأن غصب عبدا فباعه واتجر بثمنه ـ وحصل ربحٌ فالربح والسلعُ المشتراة للمالك، نقله الجماعة" ثم قال بعد كلام في المسألة: "لكن نصوص أحمد متفقة على أن الربحَ للمالك".
5 ـ وقال مجدُ الدين عبد السلام ابن تيمية في المحرر( ): "وإذا غصب دراهمَ فاتجر بها فربحه للمالك".
6 ـ وفي مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد: "المادة 1396 ربح التجارة في المغصوب من نمائه، فلو اتجر الغاصب بعين المغصوب أو عين ثمنه ... فالربح وما اشتراه للمالك ولا شيء للغاصب".
7 ـ وفي كتاب الأسئلة والأجوبة الفقهية لعبد العزيز السلمان( ): "وإن اتجر غاصبٌ بعين مغصوب ـ بأن كان دنانيرَ أو دراهم فاتجر بها ـ أو اتجر بعين ثمنه بأن غصب عبداً فباعه واتجر بثمنه وظهر ربح وهو باق فالربح وما اشتراه الغاصب من السلع لمالك المغصوب؛ لخبر عروة بن الجعد( ) ..
وروى الأثرم عن رباح بن عُبيد أن رجلاً دفع إلى رجل دراهمَ ليبلغها أهله فاشترى بها ناقة فباعها فسئل ابنُ عمر عن ذلك فقال: ادفع إليه دراهمه بنِتاجها.
لأنه نماءُ ملكه، فكان تابعاً لأصله كالسِّمَن، وحيث تعين جعلُ الربح للغاصب أو للمغصوب منه فجعله للمالك أولى؛ لأنه في مقابلة ماله الذي فاته بمنعه".

وأختم بملاحظتين متصلتين بالموضوع:

الأولى: لو فرض أن سعرَ السهم قد نزل في فترة المطل فهل يتحمل موكلكم خسارة في ذلك ؟

والجواب: لا؛ لأن الثمنَ المتفقَ عليه هو بالعملة النقدية وليس بالأسهم، فالأسهم في هذه الحالة سلعة منفصلة عن الثمن والمثمَن، فلا يؤثر ارتفاعها ولا نزولها على الصفقة، لا سلباً ولا إيجاباً.

الثانية: لموكلكم الحقُّ في مطالبة وليِّ الأمر بمعاقبة رئيس الشركة على ظلمه وهو مطلُه، وحينئذ يقدِّرها الحاكم، إلا أنَّ تلك العقوبة لو قدِّرت غرامة مالية فإنَّها لبيت المال لا للمدَّعي، لكن لو أراد رئيسُ الشركة أن يصالح موكلكم بمال لكي يرجعَ عن المطالبة بالعقوبة المذكورة فحينئذٍ يطيبُ المالُ المصالَحُ عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
اقرأ المزيد

���� : فتوى عن سؤال من أحد المحامين في قضية مالية

الأربعاء، 28 أبريل 2010

فتوى (باماكو) في جمع الصلاتين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
وبعد
فقد وردني من (باماكو) سؤال من جماعة تجاورُ أحدَ الجوامع ، يذكرون أن إمام المسجد كثيراً ما يجمع بهم جمع تقديم لمظنة المطر ، ليلاً ونهاراً ، بل إنه جمع بهم مرةً العصرَ مع الجمعة ، فطلبوا تبيان مذاهب الفقهاء في هذا الأمر ، مع تخصيص ما يقتضيه مذهب المالكية خاصة .

فأقول مستعينا بالله:
تنحصر عناصر هذه الفتوى في الإجابة على الأسئلة الستة التالية:
1. متى يجوز الجمع ؟
2. ما هي الصلوات التي تجمع ؟
3. ما أنواع الجمع ؟ وهل هي متساوية ؟
4. ما شروط الجمع ؟
5. هل تجمع الظهر مع العصر في حالتي المطر والوحل ؟
6. إذا جاز الجمع وتوفرت شروطه فهل الأفضل فعله أم تركه ؟
وفيما يلي تفصيل لكل مسألة على حدة:

المسألة الأولى : متى يجوز الجمع ؟
الأصل في الصلوات الخمس أن تؤدى في الأوقات المخصصة لها شرعاً قال الله تعالى :( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) ويدل على ذلك أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث صحيح مروي في دواوين السنة كالموطأ والصحيحين وغيرها.
والجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء رخصة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وجود أسبابها ، وأهم هذه الأسباب:
1. السفر.
2. المرض كالإغماء وشبهه.
3. المطر النازل وقت أداء الصلاة إذا كان يبلُّ الثياب.
4. الطين والوحل مع الظلام.
5. وجود الحاج بعرفة أو المزدلفة.
6. الحاجة الشديدة التي تطرأ ويصعب معها إقامة الصلاتين في المسجد في وقتيهما مثل (حظر التجول) أو ما في معناه.
المسألة الثانية : ما هي الصلوات التي تجمع ؟
إنما يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، ولا تجمع الصبح مع غيرها ، كما لا تجمع الجمعة مع العصر ؛ لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها وهيئتها وأركانها وثوابها أيضاً والسنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر ، وهذا مما لم أجد فيه خلافاً بين العلماء.

المسألة الثالثة : ما أنواع الجمع ؟ وهل هي متساوية ؟
تعارف العلماء على ثلاثة أنواع من الجمع:
أ ـ جمع التأخير : وصورته أن تؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر ، أو تؤخر المغرب حتى يدخل وقت العشاء ، ثم تصلى الصلاتان معا في وقت الصلاة الثانية منهما ، وهذا الجمع ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومجمع على جوازه عند وجود سببه.
ب ـ جمع التقديم ، وصورته أن تقدم صلاة العصر لتصلى مع صلاة الظهر في وقت الظهر ، أو تقدم صلاة العشاء فتصلى مع صلاة المغرب في وقت المغرب ، وهذا الجمع ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة للحاج ، ولم يثبت فيه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير يوم عرفة ، فلذلك اخلف الفقهاء في جوازه في غير عرفة ، ومشهور مذهب المالكية عدم جوازه ، إلا في حالات محددة مع استحباب إعادة الثانية في الوقت عند زوال سبب الجمع.
ج ـ الجمع الصوري ، وصورته أن تؤخر الظهر أو المغربُ إلى آخر وقتيهما الاخياريين ، ثم تصلى بعد كل منهما أختها في أول وقتها ، فيكون أداء الصلاتين على صورة الجمع لفعلهما متتاليتين ، وحقيقته أنه ليس جمعا لأداء كل صلاة في وقتها ، وهذا النوع الثالث جائز مطلقا ، ولا يحتاج لسبب ولا شروط إذا أتقنت الجماعة معرفة الوقت ومتى يدخل ويحرج ، وعليه فهذا النوع خارج عن بحث الجمع الذي نحن بصدده.
وعليه فليست هذه الأنواع متساوية في حكمها كما اتضح في التفصيل.
المسألة الرابعة : ما شروط الجمع ؟
اشترط الفقهاء للجمع شروطا اتفقوا على بعضها واختلفوا في بعضها ، ونذكر منها :
1. وجود السبب المبيح للجمع.
2. نية الجمع عند الصلاة الأولى.
3. الموالاة بين الصلاتين.
4. كون الصلاتين جماعة وفي المسجد خاصة.
5. بُعدُ منازل الجماعة عن المسجد.
6. استغراق العذر لوقتي الصلاتين تحقيقا أو ظنا غالبا.
المسألة الخامسة : هل تجمع الظهر مع العصر في حالتي المطر والوحل ؟
يرى المالكية والحنابلة أنه لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ونحوه ، ويجوز في جمع المغرب مع العشاء ، قالوا : لأن المشقة في المغرب والعشاء أشد لأجل الظلمة ، وأما النهار فالمشقة فيه خفيفة.
المسألة السادسة : إذا جاز الجمع وتوفرت شروطه فهل الأفضل فعله أم تركه ؟
نص العلماء على أن ترك الجمع أفضل من الجمع، إلا في جَمْعَيْ عرفة ومزدلفة، بل إن الحنفية منعوا الجمع في غيرهما مطلقا ، والمالكية صرحوا بأنه خلاف الأَولى ، والله أعلم.
هذا ما أمكن تسطيره على عجل في أثناء سفر ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتب الفقه.
وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم.

باماكو في 23 شعبان 1430 هـ
اقرأ المزيد

���� : فتوى (باماكو) في جمع الصلاتين

الوسطية بين الحقيقة والممارسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد /
فهذا بحث موجز بعنوان : الوسطية بين الحقيقة والممارسة بنيته على مدخل وثلاثة مباحثَ وخاتمة ، على النحو التالي :
مدخل تعريفي : تحدثت فيه عن تعريف الوسطية التي أعنيها ، وتحديد حقيقتها .
المبحث الأول : أسباب الانحراف عن الوسطية .
المبحث الثاني : من صور الانحراف عن الوسطية بين المنادين بها ، وفيه مطلبان :
• المطلب الأول : دعوى الوسطية مع الإفراط العملي .
• المطلب الثاني : دعوى الوسطية مع التفريط العملي .
المبحث الثالث : قواعد وضوابط الوسطية الصحيحة .
خاتمة : أوجزت فيها أهم نتائج البحث .


مدخل تعريفي بالوسطية
نظراً لكثرة البحوث والدراسات حول الوسطية أجدني غير مضطرٍّ للإطناب في تحديد معانيها اللغوية والاصطلاحية ، لكني في الوقت نفسه ـ ولحاجتي لتحديد ما أعنيه في السطور التالية ـ سأحدِّدُ ما أقصده بـالوسطية كي أحاكم على ضوئه ما أعتبره تجاوزاً إلى أحد اتجاهي التطرف (الإفراط أو التفريط) وميزاناً لما انضبط بحقيقتها فأقول موجِزاً:
لئن كان من معاني الوسطية : الخيرية ، أو الأفضلية ، أو العدالة ، فليس شيء من ذلك ما أعنيه هنا ، وإنما أعني "التوسط بين طرفين" ولكن أي طرفين ؟
إن الطرفين اللذين أعنيهما ليسا الإسلامَ والكفر ، كما يريدُ الذين يقولون : { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } [النساء: ١٥٠] وإنما أعني طرفي الإفراط والتفريط ، أو الغلو والجفاء داخل تيار الصحوة الإسلامية المعاصرة ، أي بين العاملين للإسلام خاصة ، وتحديداً داخل طائفة (أهل السنة والجماعة) فلم أورد أي مثال من خارجها ، لا في حكمها على غيرها ، ولا في حكم غيرها عليها ، وبالتالي فالأمثلة التي سأوردها للانحراف عن هذه الوسطية هي من واقع العمل الإسلامي والصحوة والدعوة والجهاد .

وقد دلَّت على شرعية الوسطية وكونها هي الحقُّ أدلةُ الشريعة المتواترة من الكتاب والسنة ؛ إما بالتنصيص عليها أو بالتحذير مما يناقضها ، أو بمدح المتمسكين بها ، أو ببيان ثمراتها ، أو باستقراء العلماء للصفات الجامعة للتشريعات الإسلامية ، قال أبو إسحاق الشاطبي : "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة ، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف الحملُ على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع ، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين" [الموافقات 5 / 276] .
ومما ينسب لأبي سليمان الخطابي (ت 388 هـ):
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم


المبحث الأول : أسباب الانحراف عن الوسطية
إذا كانت الوسطية هي الحق الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت 42] فلماذا ينحرف بعض الناس عنها ؟
والجواب : أن هناك أسباباً تدفع إلى الغلو أو إلى التقصير ، بعضها يرجع للشخص نفسه ، وبعضها يرجع لتربيته الأسرية ، وبعضها يرجع للمجتمع ، وبعضها يرجع لأسباب خارجية ، وفيما يلي سرد لبعض هذه الأسباب بصورة مجملة :
1. ضعف شخصية الفرد ، وقلة حصانته ، وقبوله للتبعية ، وسرعة التأثر .
2. الظروف السيئة الشخصية للفرد ـ إما من الفقر أو الكبت أو فساد التربية ـ قد تدفعه إلى انحراف نفسي يؤدي إلى الحيدة عن الوسطية يميناً أو شمالاً .
3. الجهل بالإسلام وتحول الشريعة إلى (تخصص) يدرسه من شاء ، ويحيد عنه من شاء ، ومعلوم أن المسلم ـ مهما كان تخصصه ـ مضطر شرعاً وواقعاً إلى معرفة شيء من مهمات دينه ، فإن لم يجدها من مصادرها الموثوقة تصرف من نفسه ، أو تلقفها من غير ثقة .
4. تخصص بعض البلداء وقليلي الفهم ـ في التعليم النظامي ـ في الشريعة الإسلامية ؛ فمن الثانوية يتجه الأذكياء إلى التخصصات التجريبية التي يسمونها علمية ، ويلجأ الباقون إلى ما يسمى بالأدبي ، ثم الأفضل من الفريق الثاني يتجه للنحو والصرف والبلاغة ، والأسوأ يتجه للشريعة ، ثم يدرس هذا الطالب في الجامعة مناهج قديمة صعبة العبارة ألفت قبل مئات السنين ، فيغيب عن ثلث حصصها ، ويغيب الأستاذ عن الثلث الثاني ، ويحضران الثلث فيفهمان ثلث المقرر في أحسن الأحوال ، ويدخل الاختبارات متسلحاً بإجازة أسبوعين قبلها للمذكرة ، فينجح بنسبة 51% ، ثم يكتب في الماجستير بحثا عن المسح على الجوربين ، وفي الدكتوراه عن جلسة الاستراحة ، فينجح في كل منهما بمرتبة مقبول (مع مرتبة الشرف !) فإذا هو متخصص في (الشريعة) بفتي ويعلم في أبواب الربا والصرف ، وفي زكاة الأسهم والأوراق المالية !!!
5. نقص الورع والتربية الإيمانية .
6. الاستقلال بفهم الأدلة الشرعية والاعتماد على الكتب بعيداً شروح العلماء والتتلمذ على أيديهم .
7. قلة العلماء الربانيين الجامعين بين إتقان علم الشرع وفقه الواقع ، والاستقلال عن الأنظمة .
8. قلة تجديد الفقه الإسلامي والاكتفاء بما دونه الأسلاف قبل مئات السنين ؛ حلا لمشكلات أزمنتهم .
9. ضعف ثقافة الحوار والإقناع في الأسرة والمجتمع ، وشيوعُ سياسة الجبر والإكراه .
10. الخلافات السياسية بين الأنظمة ؛ مما يسبب قيام بعضها بضرب بعض بأجهزته السرية تحت اسم الإرهاب الشعبي .
11. التخلف العلمي للمسلمين ، ووقوعهم أذيالاً مهينة لأمم الأرض الكافرة شرقاً وغرباً .
12. التشويه الإعلامي المنهجي والمركز لوسطية الإسلام واعتداله ، ووصمه بالإرهاب والعنف والتطرف ، أو بالبدائية والجهل والتخلف .
13. التضييق على الدعوة ومحاربة التدين في بعض البلاد .
14. الانفتاح الإعلامي الهائل ؛ مما يعين شياطين الإنس على إيصال دعاياتهم لكل فرد .
15. زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية ، وما يمارسه من قتل ، وتدمير وحصار ، وتدنيس للمقدسات ، والتمالؤ الدولي معه على ذلك وتشجيعه عليه .
16. التنكر العالمي للقضايا الإسلامية العادلة ، كقضايا : فلسطين ، والعراق ، وأفغانستان ، وكشمير ، والبوسنة ، وكوسوفا ، وقبرص ، وأوكادين ، وآسام ، وتركستان الشرقية ، ومورو ، وبورما ، وفطاني ، وغيرها .
17. الاستبداد السياسي ، وسد منافذ التغيير والمشاركة في كثير من بلادنا الإسلامية .
18. تعطيل الأحكام الشرعية في جانب الحكم والقضاء والتعليم ، والاستعاضة عنها بما يخالفها .
19. تخلي الدولة ـ في أكثر البلدان ـ عن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وضبط المجتمع .
20. قصور فهم بعض الناس في معنى (تطبيق الشريعة) وقصره على بعض مقتضياته العلاجية دون جوانبه الوقائية والبنائية والتنموية .
هذه بعض الأسباب مجملة ، وهي ـ كما نرى ـ متنوعة متعددة ، منها التربوي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والإعلامي ، يجمعها كلها أنها أسباب للتطرف ـ بمعنى أخذ أحد طرفي الوسطية ـ فمنها ما هو سبب للإفراط والغلو ، وما هو ما هو سبب للتفريط والتحلل .



المبحث الثاني : من صور الانحراف عن الوسطية بين المنادين بها
المطلب الأول : دعوى الوسطية مع الإفراط العملي
قبل الحديث عن صور الإفراط العملي أنبه إلى أنَّ من المُفْرطين مَن تجاوز إفراطُه ما نحن بصدده إلى التحذير من الدعوة للوسطية أصلاً ، ومن ذلك قولُ أحدهم متفاصحاً : واحذر - يا رعاك الله - من دعاة الوسطية في يومنا هذا ، فلا الدين عندهم ملتو التواء الحبل ، ولا هو مستو استواء السيف ، يضعون الشك في صيغة اليقين ، ويكتبون الوهم على جنح الحقيقة ، ويقتحمون الأسوار في غمرة الفتن ، فالواجب أن يحسم باطلهم في بدئه ، ويقتل في أول أنفاسه ، فهو انبعاث لفقه هوى التيسير ، وانفجار في رحم قرَضاويّة التعبير ، وصرخة مدوّية من دعاة العلمنة والتحرير [موقع www.ahlalhdeeth.com].
فمن صور الإفراط في العقيدة : تكفير المتصوفة بالجملة يقول أحدهم : "سمعنا أن بعض الدعاة يدعون - في أمريكا وفي غيرها- إلى دين الصوفية وإلى دين القبوريّة ، فهم أخرجوهم من كفر إلى كفر، وكونه يبقى على كفره، أخف من كونه ينتقل إلى كفر يسمّى باسم الإسلام" [إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ص 159] .
ويتفق معه في الإفراط ويقابله في الاتجاه قولُ آخر : " فالحقّ الذي لا شكّ فيه أن تكفير الوهابية الذين حالهم ما وصفنا فيه تمييز الكافر عن المسلم ولو انتسبوا للإسلام باللفظ ولا ينفعهم النطق بالشهادتين لأنهم كذبوا معنى الشهادتين " [موقع : www.ahlussunah.org] .
وأفرطُ ما رأيت وأبشعه وأشنعه وأفظعُه ما جاء في أحد بيانات الجماعة الجزائرية المسلحة : " لقد وصل أفرادُ الجماعة إلى درجة نحمد الله تعالى عليها بالبراءة من المرتدين وأعوانهم ، حتى لو كانوا آباءهم وأهليهم ، وما ذلك إلا بسبب فهمهم لعقيدة السلف الصالح ، والتشبه بسيرة الصحابة رضي الله عنهم ، فإن بعض عمليات أفراد الجماعة في تطبيق حكم الله في المرتدين وأعوانهم كانت ضد آبائهم وإخوانهم ؛ ففي (بوقرة) قام شاب من أفراد الجماعة بتطبيق حكم الله تعالى في والديه بعدما رفضا حكم الله تعالى ، وذلك بقبولهما بتزويج أخته إلى رجل مليشي " اهـ أي موظف عسكري [تخليص العباد ص 290] .
ومن صور الإفراط في المسائل الفقهية العملية : ما نقله أحد المعاصرين عن إمام الحنابلة ابن قدامة "أنه حكم بكفر من أباح الغناء ، وقال هذا المعاصر : وممن حكم بكفر مستحل الغناء كذلك البزازي وزين الدين الكرماني من الحنفية" [رسالة حكم الغناء 13] .
ومثله قولُ أحدهم : إن سماع الغناء فسق والتلذذ به كفر [إغاثة اللهفان 1/227] وارتضاه معاصر وزاد عليه : "أنه حرام في جميع الأديان" !! [المفصل في فقه الدعوة] ومثله في الإفراط ـ ويقابله في المضمون ـ أن أحدهم ألف رسالة بعنوان : "بوارق الإلماع في تكفير من يحرم مطلق السماع" ( التراتيب الإدارية للكتاني 2 / 133) .
ومنه ما شاع في الأيام الأخيرة من فتوى أحد العلماء فيما يسمونه الاختلاط حيث ذكر بعض المفاسد المحرمة التي يؤدي إليها (الاختلاط) ثم قال : "ومن استحل هذا الاختلاط ـ وإن أدى إلى هذه المحرمات ـ فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله" اهـ ، وبالطريقة الذكية نفسها ـ عطفِ ما يسميه بالاختلاط على تلك المحرمات ـ قولُ أحدهم منذ أيام في بيان له : اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب ، فقد كفر ، واستحق القتل بردته [موقع www.dr-alahmad.com] .
ومن صور الإفراط في المسائل السياسية : تكفير الحكام بالجملة ، يقول أحدهم : "وصار أمرُ رِدة هؤلاء الحكام وطوائفهم من المعلوم ضرورة ، ولا يجهله إلا من طمس الله بصيرته وجهل حقيقة التوحيد الذي بُعث به الأنبياء من آدم إلى محمد ، عليهم الصلاة والسلام" اهـ [تخليص العباد ص 247] وتكفير كلِّ من يتعاطى الديمقراطية أو يجيزها ، فهذا آخر يقول : "إن الذين ينتخبون أعضاء هذه البرلمانات هم كفار كفراً أكبر، لأنهم بانتخابهم هذا إنما يتخذونهم أربابا مشرعين من دون الله، فالعبرة بالمسمى ، ويكفر أيضا كل من دعا إلى هذه الانتخابات أو شجع الناس على المشاركة فيها" اهـ [فصول لطالب العلم 6 / 123] ويبنون على هذا التكفير المجمل تكفيرَ كلِّ من لم يكفر من يكفرونه ؛ اعتمادا على قول أحد الدعاة : إن من نواقض الإسلام "من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً" اهـ ، والأصل أن أقوال الدعاة والعلماء إنما يُستدل لها لا بها .
ومن صور الإفراط في قضايا الفكر والدعوة : تأليف أحدهم كتاباً بعنوان (البركان لنسف جامعة الإيمان) [موقع ملتقى أهل الحديث] وقوله في كلام له عن أحد أعلام العصر وأئمته : "ولنا رسالة في الرد عليه بعنوان : (إسكات الكلب العاوي ...فلان)" [تحفة المجيب ص 72] .


المطلب الثاني : دعوى الوسطية مع التفريط العملي
وهؤلاء المفَرّطون المتساهلون أقسام :
فمنهم من يترخص لإرضاء الحكام ، ومنهم من يترخص افتتاناً بالأعداء وتزييناً للإسلام في أعينهم ، ومنهم من يفعله عن حسن نية ودفاعاً عن الدعوة ، وقد يجتهدُ أحدهم في غير محل الاجتهاد ، فيخالف المقرر ، ويناقض المعهود ، وإذا تورع عن الاستقلال بالنظر في القضية وأراد أن يبحث عن سلف اكتفي بمجرد كون ما ذهب إليه قولاً قاله شاذ ، أو وجهاً ذهب إليه فاذ ، فيعمل بما شاء من الوجوه والأقوال ، فحيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به ، أو اعتمده أو أفتى بمقتضاه .
والجامع بين كل تلك الصور : أنها اجتهاد ممن لا يملكه ، وابتغاء مصلحة غير منضبطة ، وانهزام أمام ضغط الواقع { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف 104] وكم من مريد للخير لا يبلغه .
فمن صور التفريط في العقيدة : قولُ أحد الدعاة المشهورين بلهجته العامية في محاضرة له ببيروت ما معناه : "إن الإسلام أباح للإنسان أن يعبد ما شاء" .[مدونة www.dvd4arab.maktoob.com]
ومن أشنع التفريط في جانب العقيدة ما نسبته وسائل الإعلام قبل نحو شهرين لمفتي إحدى البلاد الإسلامية في استقباله لوفد أكاديمي أمريكي أنه قال : "لو أمرني محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن أكفر باليهودية أو النصرانية لكفرت بمحمد" [موقع www.alarabiya.net] .
ومن صور التفريط في المسائل الفقهية العملية : قولُ أحد العلماء المعاصرين عن شهادة النصراني : "لكني أرى أن الأسباب المعنوية والاجتماعية، والظروف الخاصة، والتعصب الذي كان موجوداً في التاريخ بين المسلمين وغيرهم هو الذي أدى إلى رفض قبول شهادة غير المسلمين، أما الآن وقد عاش المسلمون مع غيرهم في صعيد واحد، واتصلوا اتصالاً وثيقاً مع بعضهم، فلا مانع من قبول شهادتهم على المسلمين للضرورة، وقد جرى العمل على ذلك في البلاد الإسلامية" [الفقه الإسلامي وأدلته 9 / 64].
ومن صور التفريط في المسائل السياسية : فتوى أحد العلماء قبل سنوات بوجوب خروج الفلسطينيين من أرضهم وتركها لليهود !! وفتوى آخر بجواز حصار غزة بالجدار الفولاذي !! [موقع www.alarabiya.net] .
ومن أبرز صور التفريط في جانب الفكر والدعوة : برزو جيل جديد من الدعاة يكثرون من الترغيب دون الترهيب ، ويركزون على الأخلاق وأعمال القلوب ، ويهملون من الإسلام قضية المظاهر ، والسياسة ، والترفعَ عن الترف ، والتأصيلَ العلمي ، وكثيراً من ضوابط العلاقة بين الجنسين ، ويحصرونه في حب ووعظ وعمل اجتماعي ، هذا النموذج "يتعمد عدم تقديم أي إزعاج لأعداء الإسلام أو أصحاب السلطة والنفوذ ، أو أصحاب الثروات والطبقة العليا مادياً من المجتمع ، حيث يتم اختزال الإسلام في مصدر تكميلي للواقع القائم" [موقع www.alasr.ws] على نمط ما قدمه مؤسس البروتستانتية في القرن التاسع عشر الميلادي في ألمانيا (مارتن لوثر) وقد لاقت هذه الظاهرة اهتماماً من الغرب أكتفي منه بمثالين ؛ فقد أصدرت الدورية الفرنسية (السياسة الإفريقية) في عددها 78 ملفاً خاصّاً عن هذه الظاهرة ، وفيه دراسة أعدَّها باتريك هايني ـ وهو باحث سويسري متخصص في الظاهرة الإسلامية ويقيم في مصر ـ عنوانها (الإسلام كظاهرة اجتماعية: الشيوخ الجدد : نموذج عمرو خالد) [ظاهرة التدين الجديد لأنور الخضري ص 48] وهناك دراسة أخرى لأحد الصهاينة واسمه ( إسرائيل تيكونيسكي ) وهو باحث يهودي بقسم دراسات الإسلام والشرق الأوسط بالجامعة العبرية في القدس ، ومستشار ثقافي لسفارة العدو في القاهرة تحت عنوان : ( الدعوة المحمدية في القرن الحادي والعشرين .. مواعظ عمرو خالد نموذجاً ) [موقع www.arabnet5.com].

المبحث الثالث : قواعد وضوابط الوسطية الصحيحة
حاولت في هذه الضوابط أن يتجه الحديث إلى كلتا جهتي التطرف ، واكتفيت بألفاظ بعض النصوص الشرعية دون التعليق عليها ؛ لقاعديتها ، وفيما يلي سردٌ لعدد من القواعد لم أقصد به الاستيعاب ولا ما هو قريب منه ، وإنما قصدت التمثيل ، وذكر ما يستدل به على غيره :
1. الوسطية لا تعني العبث بالشرع ولا تتبع الرخص .
2. الأصل براءة الذمة ، فلا يجب فعل أو طاعة لم يدل عليها الشرع .
3. مقتضى النص متعين ، ومقتضى الظاهر مقدم ، والاجتهاد المنضبط محترم .
4. فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
5. ألزم نفسك الورع والاحتياط ، وبلغ الناس الأيسر مما دل عليه الدليل .
6. من عز عليه دينه تورع ، ومن هان عليه دينه تسرع .
7. يجب مراعاة عوائد الناس وأحوال المستفتين .
8. لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان أو الأحوال والظروف .
9. لا تحمل النصوص الشرعية على المصطلحات الحادثة بعد نزول الشرع .
10. نصوص الإسلام حق لا خطأ فيها ، وتطبيقها تصرف بشري قابل للخطأ والصواب .
11. إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه .
12. إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة ، وأما التشديد فيحسنه كل أحد .
13. للضرورات أحكام تعرف من واقع القضية والمحيط والبيئة .
14. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
15. إن لنفسك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه .
16. الضرورات تقدر بقدرها ، ولا تزاد على موضعها .
17. كل ما عارض النص فهو فاسد الاعتبار .
18. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولا تدرأ مفسدة لتحل مثلها أو أعظم منها محلها .
19. تقدير المصالح والمفاسد مسألة اجتهادية لا يقدر عليها كل أحد .
20. ما جاز لعذر بطل بزواله ، وإذا زال المانع عاد الممنوع .
21. تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله جريمتان محرمتان لا يسوِّغُ الهروبُ من إحداهما الوقوعَ في الأخرى .
22. إجماع أهل العلم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة .
23. وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر .
24. يشرع سد الذرائع أحياناً ، وفتحها أحيانا ، وليس أي منهما شرعاً دائماً .
25. الدليل الشرعي الصحيح الواضح الدلالة واجب الاتباع على من فهمه ، ويجوز في غير الواضح الدلالة تقليد الأئمة المعتبرين ، وقد يجب .
26. محاولة تغيير الواقع من خارجه بالقوة إفراط ، والاستسلام له كما هو تفريط ، وبذل كافة الجهود المتاحة لإصلاحه من داخله سلميا وسطية .
27. من لا يمثل الوسطية في أفكاره وتصوراته وسلوكه لا تغنيه القناعة النظرية بها ولا الحديث عنها .


الخاتمة : وفيها أهم النتائج
قبل أن أدخل في تلخيص أهم نتائج البحث أحب أن أقرر هنا بصراحة ، التزاماً بالوسطية التي أومن بها ـ وخلافاً لكلٍّ من أصحاب الإفراط والتفريط ـ أن كلتا الطائفتين فيها خير ، ولها حسنات وإيجابيات ، وأنها خيرٌ من الكفرة الخلص ، ومن المنافقين المندسين ، وإن كان قد يغلبُ خيرُ هذا شرَّه ، أو شرُّ هذا خيرَه ، وهذا ما أدين الله به .
وفيما يلي تلخيص لأهم نتائج البحث :
• من معاني الوسطية "التوسط بين طرفين" وهذا ما عنيته ، ولكن الطرفين المقصودين هما تيارا الإفراط والتفريط داخل الصحوة والدعوة .
• للحيدة عن الوسطية إلى أي من الاتجاهين أسبابٌ بعضها يرجع للشخص نفسه ، وبعضها يرجع لتربيته الأسرية ، وبعضها يرجع للمجتمع ، وبعضها يرجع لأسباب خارجية ، ذكرت منها 20 سبباً.
• من عجائب الإفراط أن يتفق طرفان على منهجية التكفير مع تناقضهما في المحتوى ، فتكفر كل منهما الأخرى .
• خطر تعميم قاعدة : "من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً" .
• المفَرّطون المتساهلون أقسام : فمنهم من يترخص لإرضاء الحكام ، ومنهم من يترخص افتتاناً بالأعداء وتزييناً للإسلام في أعينهم ، ومنهم من يفعله عن حسن نية ودفاعاً عن الدعوة .
• كشفت من خلال الأمثلة أن التطرف ـ في أي اتجاهيه ـ قد يقع من الفضلاء والعلماء الأجلاء ، ويكون الخطأ إنما هو في المسألة المعنية ، وليس منهجية عامة لصاحبها .
• بينت اهتما الأعداء بظاهرة الدعاة المفرّطين المتساهلين .
• جمعت 27 قاعدة أراها ـ بإذن الله تعالى ـ أدوية شافية من ظاهرتي الإفراط والتفريط .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس المراجع
أ ـ الكتب :
• إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان (مجلدان) مؤسسة الرسالة بيروت ، ط 1 سنة 1423 هـ = 2003 م .
• إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لمحمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية (مجلدان) بتحقيق محمد حامد الفقي ، دار المعرفة ، بيروت ط2 سنة 1395 هـ = 1975 م .
• تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب ، للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ضمن المكتبة الشاملة) .
• تخليص العباد من وحشة أبي القتاد لعبد المالك الجزائري (مجلد) دار مداد ، القاهرة ط 1 سنة 2005 م .
• التراتيب الإدارية للشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (مجلدان) دار الكتاب العربي ، بيروت ، (بدون تاريخ) .
• حكم الغناء لعبد العزيز بن مرزوق الطريفي (غلاف) بدون معلومات الطبع .
• ظاهرة التدين الجديد لأنور الخضري (غلاف) نشر مركز التأصيل للدراسات والبحوث ، ط 1 ، 1429 هـ = 2008 م
• فصول لطالب العلم ، جمعها عبد القادر بن عبد العزيز (ضمن المكتبة الشاملة) .
• الفقه الإسلامي وأدلته للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي (10 مجلدات) دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الرابعة المنقَّحة المعدَّلة بالنسبة لما سبقها .
• المفصل في فقه الدعوة ، مجموعة بحوث جمعها الباحث : علي نايف الشحود ، (ضمن المكتبة الشاملة) .
• الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي (ت 790 هـ) بتحقيق : أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (7 مجلدات) دار ابن عفان ، بيروت ط 1 سنة 1417 هـ = 1997 م .

ب ـ المواقع الألكترونية :

• www.arabnet5.com
• www.dr-alahmad.com
• www.alarabiya.net
• http://www.alasr.ws
• www.ahlalhdeeth.com
• dvd4arab.maktoob.com
اقرأ المزيد

���� : الوسطية بين الحقيقة والممارسة

فلسفة الحب

حقٌّ على الصبِّ إفصاحٌ وإعلانُ فكَتمُك الحبَّ تقصيرٌ وكفرانُ
لا تستقيمُ لذي حبٍّ صبابتُه حتى يُوافَى بها بدوٌ وعُمرانُ
ويعلمَ الناسُ ـ كلُّ الناس ـ منزلَه في الحبِّ ، إلا فدعوى الحبِّ بهتان

لم يعرفِ الحبَّ قيسٌ ذو الجنون ولا جميلُ أو عروةُ التاوي وغيلانُ
ولا المُغِيري أبو الخطَّاب سيِّدُهم الحبُّ عندهمُ لفظٌ وعُنوانُ

قد صرتُ بالحبِّ تيَّاهاً على زمني والعالَمُ الرحبُ لي أهلٌ وأوطانُ

أهلُ الهوى حبُّهم مَجْنٌ وعَربَدةٌ والحبُّ عنديَ إيمانٌ وإحسانُ
أهلُ الهوى حبُّهم كأسٌ وغانيةٌ والحبُّ عنديَ تسبيحٌ وقرآنُ
الحبُّ عندهمُ لومٌ ومَعتبةٌ والحبُّ عنديَ تسليمٌ ورضوانُ
الحبُّ عندهمُ حزنٌ ومَألَمةٌ والحبُّ عنديَ أفراحٌ وسُلوانُ

بِنتم وبنَّا ، فبان الحبُّ واتسعَت أرجاؤه وتدلَّت منه أغصانُ
سفينةُ الحبِّ كلُّ الكون تمخُرُه في العُلو والسُّفل والإسلامُ رُبـَّانُ

الحبُّ عندي رباطٌ يحتوي أُمماً جمَّاعُها أنَّها لله عُبدانُ
إني أقولُ لِمن ذاق الصبابةَ وامـ ـتدَّت جوانحُه والحبُّ سلطانُ
إياك والكتمَ وابثُث ما سَعِدتَّ به حقٌّ على الصبِّ إفصاحٌ وإعلانُ
اقرأ المزيد

���� : فلسفة الحب

بنهجكم نضمنُ النصرَ المبين

هذه قصيدة كتبتها السنة الماضية بعد العدوان الصهيوني على غزة ، وقد نشرت حينها في بعض المواقع ، آمل أن تنال إثراءكم وتعليقاتكم ، وللجميع شكري وتقديري :

لُوذا بغَزَّةَ من جُبنٍ ومن عار ** واستنجِدا من جَداها كلَّ مِغوار
من كلِّ أرْوَعَ قَتَّالِ الكُماةِ له ** صبرُ الجِبال على ضيقٍ وإقتار
يخاطبُ الله في خَلْواتِه سحَراً ** وحدَّثَ الناسَ عنهو دمعُه الجاري
الباذلين نفوساً حُرَّةً طهُرت ** لَمَّا زكَتْ من تلاواتٍ وأذكار
أقمارُ مملكةٍ آسادُ ملحَمة ** أملاكُ مَرحَمة صُنَّاعُ أقمار
( مَن تلقَ منهم تقل:لاقيتُ سيِّدَهم ) ** حزماً وعَزماً وإقداماً بإصرار
تلكَ الشَّرارةُ قِدماً كان أوقَدَها ** ( حماسُ ) ياسينَ نورُ المُعتِم الساري
يا أهلَ غَزَّةَ يا مجداً تأثَّل يا ** تأريخَ عِزٍّ ومشكاةً لأنوار
فُكُّوا الحِصارَ بجُهدٍ منكمُو فبِكُم ** يُفكُّ أو يُفتدى من أسرِ غَدَّار
ولتعمُروها بأيدي الطُّهرِ واجتهِدوا ** فأنتمُو جيلُ تحريرٍ وإعمار
والقُدسُ تنتظرُ التحريرَ مُذْ زمنٍ ** ما بين حَفْرٍ وتهويدٍ وأخطار
بنهجِكم نملِكُ الدنيا ونَعمرُها ** بالوحي ليس بآراءٍ وأفكار
بنهجكم نضمنُ النصرَ المبينَ لنا ** ولو على ألفِ مليونٍ ومِليار
فالحقُّ أبلجُ والتاريخُ شاهدُه ** ( إنا لننصرُ...) قولُ المُنعم الباري
اقرأ المزيد

���� : بنهجكم نضمنُ النصرَ المبين