بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد /
فهذا بحث موجز بعنوان : الوسطية بين الحقيقة والممارسة بنيته على مدخل وثلاثة مباحثَ وخاتمة ، على النحو التالي :
مدخل تعريفي : تحدثت فيه عن تعريف الوسطية التي أعنيها ، وتحديد حقيقتها .
المبحث الأول : أسباب الانحراف عن الوسطية .
المبحث الثاني : من صور الانحراف عن الوسطية بين المنادين بها ، وفيه مطلبان :
• المطلب الأول : دعوى الوسطية مع الإفراط العملي .
• المطلب الثاني : دعوى الوسطية مع التفريط العملي .
المبحث الثالث : قواعد وضوابط الوسطية الصحيحة .
خاتمة : أوجزت فيها أهم نتائج البحث .
مدخل تعريفي بالوسطية
نظراً لكثرة البحوث والدراسات حول الوسطية أجدني غير مضطرٍّ للإطناب في تحديد معانيها اللغوية والاصطلاحية ، لكني في الوقت نفسه ـ ولحاجتي لتحديد ما أعنيه في السطور التالية ـ سأحدِّدُ ما أقصده بـالوسطية كي أحاكم على ضوئه ما أعتبره تجاوزاً إلى أحد اتجاهي التطرف (الإفراط أو التفريط) وميزاناً لما انضبط بحقيقتها فأقول موجِزاً:
لئن كان من معاني الوسطية : الخيرية ، أو الأفضلية ، أو العدالة ، فليس شيء من ذلك ما أعنيه هنا ، وإنما أعني "التوسط بين طرفين" ولكن أي طرفين ؟
إن الطرفين اللذين أعنيهما ليسا الإسلامَ والكفر ، كما يريدُ الذين يقولون : { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } [النساء: ١٥٠] وإنما أعني طرفي الإفراط والتفريط ، أو الغلو والجفاء داخل تيار الصحوة الإسلامية المعاصرة ، أي بين العاملين للإسلام خاصة ، وتحديداً داخل طائفة (أهل السنة والجماعة) فلم أورد أي مثال من خارجها ، لا في حكمها على غيرها ، ولا في حكم غيرها عليها ، وبالتالي فالأمثلة التي سأوردها للانحراف عن هذه الوسطية هي من واقع العمل الإسلامي والصحوة والدعوة والجهاد .
وقد دلَّت على شرعية الوسطية وكونها هي الحقُّ أدلةُ الشريعة المتواترة من الكتاب والسنة ؛ إما بالتنصيص عليها أو بالتحذير مما يناقضها ، أو بمدح المتمسكين بها ، أو ببيان ثمراتها ، أو باستقراء العلماء للصفات الجامعة للتشريعات الإسلامية ، قال أبو إسحاق الشاطبي : "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة ، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف الحملُ على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع ، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين" [الموافقات 5 / 276] .
ومما ينسب لأبي سليمان الخطابي (ت 388 هـ):
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
المبحث الأول : أسباب الانحراف عن الوسطية
إذا كانت الوسطية هي الحق الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت 42] فلماذا ينحرف بعض الناس عنها ؟
والجواب : أن هناك أسباباً تدفع إلى الغلو أو إلى التقصير ، بعضها يرجع للشخص نفسه ، وبعضها يرجع لتربيته الأسرية ، وبعضها يرجع للمجتمع ، وبعضها يرجع لأسباب خارجية ، وفيما يلي سرد لبعض هذه الأسباب بصورة مجملة :
1. ضعف شخصية الفرد ، وقلة حصانته ، وقبوله للتبعية ، وسرعة التأثر .
2. الظروف السيئة الشخصية للفرد ـ إما من الفقر أو الكبت أو فساد التربية ـ قد تدفعه إلى انحراف نفسي يؤدي إلى الحيدة عن الوسطية يميناً أو شمالاً .
3. الجهل بالإسلام وتحول الشريعة إلى (تخصص) يدرسه من شاء ، ويحيد عنه من شاء ، ومعلوم أن المسلم ـ مهما كان تخصصه ـ مضطر شرعاً وواقعاً إلى معرفة شيء من مهمات دينه ، فإن لم يجدها من مصادرها الموثوقة تصرف من نفسه ، أو تلقفها من غير ثقة .
4. تخصص بعض البلداء وقليلي الفهم ـ في التعليم النظامي ـ في الشريعة الإسلامية ؛ فمن الثانوية يتجه الأذكياء إلى التخصصات التجريبية التي يسمونها علمية ، ويلجأ الباقون إلى ما يسمى بالأدبي ، ثم الأفضل من الفريق الثاني يتجه للنحو والصرف والبلاغة ، والأسوأ يتجه للشريعة ، ثم يدرس هذا الطالب في الجامعة مناهج قديمة صعبة العبارة ألفت قبل مئات السنين ، فيغيب عن ثلث حصصها ، ويغيب الأستاذ عن الثلث الثاني ، ويحضران الثلث فيفهمان ثلث المقرر في أحسن الأحوال ، ويدخل الاختبارات متسلحاً بإجازة أسبوعين قبلها للمذكرة ، فينجح بنسبة 51% ، ثم يكتب في الماجستير بحثا عن المسح على الجوربين ، وفي الدكتوراه عن جلسة الاستراحة ، فينجح في كل منهما بمرتبة مقبول (مع مرتبة الشرف !) فإذا هو متخصص في (الشريعة) بفتي ويعلم في أبواب الربا والصرف ، وفي زكاة الأسهم والأوراق المالية !!!
5. نقص الورع والتربية الإيمانية .
6. الاستقلال بفهم الأدلة الشرعية والاعتماد على الكتب بعيداً شروح العلماء والتتلمذ على أيديهم .
7. قلة العلماء الربانيين الجامعين بين إتقان علم الشرع وفقه الواقع ، والاستقلال عن الأنظمة .
8. قلة تجديد الفقه الإسلامي والاكتفاء بما دونه الأسلاف قبل مئات السنين ؛ حلا لمشكلات أزمنتهم .
9. ضعف ثقافة الحوار والإقناع في الأسرة والمجتمع ، وشيوعُ سياسة الجبر والإكراه .
10. الخلافات السياسية بين الأنظمة ؛ مما يسبب قيام بعضها بضرب بعض بأجهزته السرية تحت اسم الإرهاب الشعبي .
11. التخلف العلمي للمسلمين ، ووقوعهم أذيالاً مهينة لأمم الأرض الكافرة شرقاً وغرباً .
12. التشويه الإعلامي المنهجي والمركز لوسطية الإسلام واعتداله ، ووصمه بالإرهاب والعنف والتطرف ، أو بالبدائية والجهل والتخلف .
13. التضييق على الدعوة ومحاربة التدين في بعض البلاد .
14. الانفتاح الإعلامي الهائل ؛ مما يعين شياطين الإنس على إيصال دعاياتهم لكل فرد .
15. زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة الإسلامية ، وما يمارسه من قتل ، وتدمير وحصار ، وتدنيس للمقدسات ، والتمالؤ الدولي معه على ذلك وتشجيعه عليه .
16. التنكر العالمي للقضايا الإسلامية العادلة ، كقضايا : فلسطين ، والعراق ، وأفغانستان ، وكشمير ، والبوسنة ، وكوسوفا ، وقبرص ، وأوكادين ، وآسام ، وتركستان الشرقية ، ومورو ، وبورما ، وفطاني ، وغيرها .
17. الاستبداد السياسي ، وسد منافذ التغيير والمشاركة في كثير من بلادنا الإسلامية .
18. تعطيل الأحكام الشرعية في جانب الحكم والقضاء والتعليم ، والاستعاضة عنها بما يخالفها .
19. تخلي الدولة ـ في أكثر البلدان ـ عن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وضبط المجتمع .
20. قصور فهم بعض الناس في معنى (تطبيق الشريعة) وقصره على بعض مقتضياته العلاجية دون جوانبه الوقائية والبنائية والتنموية .
هذه بعض الأسباب مجملة ، وهي ـ كما نرى ـ متنوعة متعددة ، منها التربوي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والإعلامي ، يجمعها كلها أنها أسباب للتطرف ـ بمعنى أخذ أحد طرفي الوسطية ـ فمنها ما هو سبب للإفراط والغلو ، وما هو ما هو سبب للتفريط والتحلل .
المبحث الثاني : من صور الانحراف عن الوسطية بين المنادين بها
المطلب الأول : دعوى الوسطية مع الإفراط العملي
قبل الحديث عن صور الإفراط العملي أنبه إلى أنَّ من المُفْرطين مَن تجاوز إفراطُه ما نحن بصدده إلى التحذير من الدعوة للوسطية أصلاً ، ومن ذلك قولُ أحدهم متفاصحاً : واحذر - يا رعاك الله - من دعاة الوسطية في يومنا هذا ، فلا الدين عندهم ملتو التواء الحبل ، ولا هو مستو استواء السيف ، يضعون الشك في صيغة اليقين ، ويكتبون الوهم على جنح الحقيقة ، ويقتحمون الأسوار في غمرة الفتن ، فالواجب أن يحسم باطلهم في بدئه ، ويقتل في أول أنفاسه ، فهو انبعاث لفقه هوى التيسير ، وانفجار في رحم قرَضاويّة التعبير ، وصرخة مدوّية من دعاة العلمنة والتحرير [موقع www.ahlalhdeeth.com].
فمن صور الإفراط في العقيدة : تكفير المتصوفة بالجملة يقول أحدهم : "سمعنا أن بعض الدعاة يدعون - في أمريكا وفي غيرها- إلى دين الصوفية وإلى دين القبوريّة ، فهم أخرجوهم من كفر إلى كفر، وكونه يبقى على كفره، أخف من كونه ينتقل إلى كفر يسمّى باسم الإسلام" [إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ص 159] .
ويتفق معه في الإفراط ويقابله في الاتجاه قولُ آخر : " فالحقّ الذي لا شكّ فيه أن تكفير الوهابية الذين حالهم ما وصفنا فيه تمييز الكافر عن المسلم ولو انتسبوا للإسلام باللفظ ولا ينفعهم النطق بالشهادتين لأنهم كذبوا معنى الشهادتين " [موقع : www.ahlussunah.org] .
وأفرطُ ما رأيت وأبشعه وأشنعه وأفظعُه ما جاء في أحد بيانات الجماعة الجزائرية المسلحة : " لقد وصل أفرادُ الجماعة إلى درجة نحمد الله تعالى عليها بالبراءة من المرتدين وأعوانهم ، حتى لو كانوا آباءهم وأهليهم ، وما ذلك إلا بسبب فهمهم لعقيدة السلف الصالح ، والتشبه بسيرة الصحابة رضي الله عنهم ، فإن بعض عمليات أفراد الجماعة في تطبيق حكم الله في المرتدين وأعوانهم كانت ضد آبائهم وإخوانهم ؛ ففي (بوقرة) قام شاب من أفراد الجماعة بتطبيق حكم الله تعالى في والديه بعدما رفضا حكم الله تعالى ، وذلك بقبولهما بتزويج أخته إلى رجل مليشي " اهـ أي موظف عسكري [تخليص العباد ص 290] .
ومن صور الإفراط في المسائل الفقهية العملية : ما نقله أحد المعاصرين عن إمام الحنابلة ابن قدامة "أنه حكم بكفر من أباح الغناء ، وقال هذا المعاصر : وممن حكم بكفر مستحل الغناء كذلك البزازي وزين الدين الكرماني من الحنفية" [رسالة حكم الغناء 13] .
ومثله قولُ أحدهم : إن سماع الغناء فسق والتلذذ به كفر [إغاثة اللهفان 1/227] وارتضاه معاصر وزاد عليه : "أنه حرام في جميع الأديان" !! [المفصل في فقه الدعوة] ومثله في الإفراط ـ ويقابله في المضمون ـ أن أحدهم ألف رسالة بعنوان : "بوارق الإلماع في تكفير من يحرم مطلق السماع" ( التراتيب الإدارية للكتاني 2 / 133) .
ومنه ما شاع في الأيام الأخيرة من فتوى أحد العلماء فيما يسمونه الاختلاط حيث ذكر بعض المفاسد المحرمة التي يؤدي إليها (الاختلاط) ثم قال : "ومن استحل هذا الاختلاط ـ وإن أدى إلى هذه المحرمات ـ فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله" اهـ ، وبالطريقة الذكية نفسها ـ عطفِ ما يسميه بالاختلاط على تلك المحرمات ـ قولُ أحدهم منذ أيام في بيان له : اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب ، فقد كفر ، واستحق القتل بردته [موقع www.dr-alahmad.com] .
ومن صور الإفراط في المسائل السياسية : تكفير الحكام بالجملة ، يقول أحدهم : "وصار أمرُ رِدة هؤلاء الحكام وطوائفهم من المعلوم ضرورة ، ولا يجهله إلا من طمس الله بصيرته وجهل حقيقة التوحيد الذي بُعث به الأنبياء من آدم إلى محمد ، عليهم الصلاة والسلام" اهـ [تخليص العباد ص 247] وتكفير كلِّ من يتعاطى الديمقراطية أو يجيزها ، فهذا آخر يقول : "إن الذين ينتخبون أعضاء هذه البرلمانات هم كفار كفراً أكبر، لأنهم بانتخابهم هذا إنما يتخذونهم أربابا مشرعين من دون الله، فالعبرة بالمسمى ، ويكفر أيضا كل من دعا إلى هذه الانتخابات أو شجع الناس على المشاركة فيها" اهـ [فصول لطالب العلم 6 / 123] ويبنون على هذا التكفير المجمل تكفيرَ كلِّ من لم يكفر من يكفرونه ؛ اعتمادا على قول أحد الدعاة : إن من نواقض الإسلام "من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً" اهـ ، والأصل أن أقوال الدعاة والعلماء إنما يُستدل لها لا بها .
ومن صور الإفراط في قضايا الفكر والدعوة : تأليف أحدهم كتاباً بعنوان (البركان لنسف جامعة الإيمان) [موقع ملتقى أهل الحديث] وقوله في كلام له عن أحد أعلام العصر وأئمته : "ولنا رسالة في الرد عليه بعنوان : (إسكات الكلب العاوي ...فلان)" [تحفة المجيب ص 72] .
المطلب الثاني : دعوى الوسطية مع التفريط العملي
وهؤلاء المفَرّطون المتساهلون أقسام :
فمنهم من يترخص لإرضاء الحكام ، ومنهم من يترخص افتتاناً بالأعداء وتزييناً للإسلام في أعينهم ، ومنهم من يفعله عن حسن نية ودفاعاً عن الدعوة ، وقد يجتهدُ أحدهم في غير محل الاجتهاد ، فيخالف المقرر ، ويناقض المعهود ، وإذا تورع عن الاستقلال بالنظر في القضية وأراد أن يبحث عن سلف اكتفي بمجرد كون ما ذهب إليه قولاً قاله شاذ ، أو وجهاً ذهب إليه فاذ ، فيعمل بما شاء من الوجوه والأقوال ، فحيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به ، أو اعتمده أو أفتى بمقتضاه .
والجامع بين كل تلك الصور : أنها اجتهاد ممن لا يملكه ، وابتغاء مصلحة غير منضبطة ، وانهزام أمام ضغط الواقع { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف 104] وكم من مريد للخير لا يبلغه .
فمن صور التفريط في العقيدة : قولُ أحد الدعاة المشهورين بلهجته العامية في محاضرة له ببيروت ما معناه : "إن الإسلام أباح للإنسان أن يعبد ما شاء" .[مدونة www.dvd4arab.maktoob.com]
ومن أشنع التفريط في جانب العقيدة ما نسبته وسائل الإعلام قبل نحو شهرين لمفتي إحدى البلاد الإسلامية في استقباله لوفد أكاديمي أمريكي أنه قال : "لو أمرني محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن أكفر باليهودية أو النصرانية لكفرت بمحمد" [موقع www.alarabiya.net] .
ومن صور التفريط في المسائل الفقهية العملية : قولُ أحد العلماء المعاصرين عن شهادة النصراني : "لكني أرى أن الأسباب المعنوية والاجتماعية، والظروف الخاصة، والتعصب الذي كان موجوداً في التاريخ بين المسلمين وغيرهم هو الذي أدى إلى رفض قبول شهادة غير المسلمين، أما الآن وقد عاش المسلمون مع غيرهم في صعيد واحد، واتصلوا اتصالاً وثيقاً مع بعضهم، فلا مانع من قبول شهادتهم على المسلمين للضرورة، وقد جرى العمل على ذلك في البلاد الإسلامية" [الفقه الإسلامي وأدلته 9 / 64].
ومن صور التفريط في المسائل السياسية : فتوى أحد العلماء قبل سنوات بوجوب خروج الفلسطينيين من أرضهم وتركها لليهود !! وفتوى آخر بجواز حصار غزة بالجدار الفولاذي !! [موقع www.alarabiya.net] .
ومن أبرز صور التفريط في جانب الفكر والدعوة : برزو جيل جديد من الدعاة يكثرون من الترغيب دون الترهيب ، ويركزون على الأخلاق وأعمال القلوب ، ويهملون من الإسلام قضية المظاهر ، والسياسة ، والترفعَ عن الترف ، والتأصيلَ العلمي ، وكثيراً من ضوابط العلاقة بين الجنسين ، ويحصرونه في حب ووعظ وعمل اجتماعي ، هذا النموذج "يتعمد عدم تقديم أي إزعاج لأعداء الإسلام أو أصحاب السلطة والنفوذ ، أو أصحاب الثروات والطبقة العليا مادياً من المجتمع ، حيث يتم اختزال الإسلام في مصدر تكميلي للواقع القائم" [موقع www.alasr.ws] على نمط ما قدمه مؤسس البروتستانتية في القرن التاسع عشر الميلادي في ألمانيا (مارتن لوثر) وقد لاقت هذه الظاهرة اهتماماً من الغرب أكتفي منه بمثالين ؛ فقد أصدرت الدورية الفرنسية (السياسة الإفريقية) في عددها 78 ملفاً خاصّاً عن هذه الظاهرة ، وفيه دراسة أعدَّها باتريك هايني ـ وهو باحث سويسري متخصص في الظاهرة الإسلامية ويقيم في مصر ـ عنوانها (الإسلام كظاهرة اجتماعية: الشيوخ الجدد : نموذج عمرو خالد) [ظاهرة التدين الجديد لأنور الخضري ص 48] وهناك دراسة أخرى لأحد الصهاينة واسمه ( إسرائيل تيكونيسكي ) وهو باحث يهودي بقسم دراسات الإسلام والشرق الأوسط بالجامعة العبرية في القدس ، ومستشار ثقافي لسفارة العدو في القاهرة تحت عنوان : ( الدعوة المحمدية في القرن الحادي والعشرين .. مواعظ عمرو خالد نموذجاً ) [موقع www.arabnet5.com].
المبحث الثالث : قواعد وضوابط الوسطية الصحيحة
حاولت في هذه الضوابط أن يتجه الحديث إلى كلتا جهتي التطرف ، واكتفيت بألفاظ بعض النصوص الشرعية دون التعليق عليها ؛ لقاعديتها ، وفيما يلي سردٌ لعدد من القواعد لم أقصد به الاستيعاب ولا ما هو قريب منه ، وإنما قصدت التمثيل ، وذكر ما يستدل به على غيره :
1. الوسطية لا تعني العبث بالشرع ولا تتبع الرخص .
2. الأصل براءة الذمة ، فلا يجب فعل أو طاعة لم يدل عليها الشرع .
3. مقتضى النص متعين ، ومقتضى الظاهر مقدم ، والاجتهاد المنضبط محترم .
4. فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
5. ألزم نفسك الورع والاحتياط ، وبلغ الناس الأيسر مما دل عليه الدليل .
6. من عز عليه دينه تورع ، ومن هان عليه دينه تسرع .
7. يجب مراعاة عوائد الناس وأحوال المستفتين .
8. لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان أو الأحوال والظروف .
9. لا تحمل النصوص الشرعية على المصطلحات الحادثة بعد نزول الشرع .
10. نصوص الإسلام حق لا خطأ فيها ، وتطبيقها تصرف بشري قابل للخطأ والصواب .
11. إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه .
12. إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة ، وأما التشديد فيحسنه كل أحد .
13. للضرورات أحكام تعرف من واقع القضية والمحيط والبيئة .
14. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
15. إن لنفسك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه .
16. الضرورات تقدر بقدرها ، ولا تزاد على موضعها .
17. كل ما عارض النص فهو فاسد الاعتبار .
18. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولا تدرأ مفسدة لتحل مثلها أو أعظم منها محلها .
19. تقدير المصالح والمفاسد مسألة اجتهادية لا يقدر عليها كل أحد .
20. ما جاز لعذر بطل بزواله ، وإذا زال المانع عاد الممنوع .
21. تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله جريمتان محرمتان لا يسوِّغُ الهروبُ من إحداهما الوقوعَ في الأخرى .
22. إجماع أهل العلم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة .
23. وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر .
24. يشرع سد الذرائع أحياناً ، وفتحها أحيانا ، وليس أي منهما شرعاً دائماً .
25. الدليل الشرعي الصحيح الواضح الدلالة واجب الاتباع على من فهمه ، ويجوز في غير الواضح الدلالة تقليد الأئمة المعتبرين ، وقد يجب .
26. محاولة تغيير الواقع من خارجه بالقوة إفراط ، والاستسلام له كما هو تفريط ، وبذل كافة الجهود المتاحة لإصلاحه من داخله سلميا وسطية .
27. من لا يمثل الوسطية في أفكاره وتصوراته وسلوكه لا تغنيه القناعة النظرية بها ولا الحديث عنها .
الخاتمة : وفيها أهم النتائج
قبل أن أدخل في تلخيص أهم نتائج البحث أحب أن أقرر هنا بصراحة ، التزاماً بالوسطية التي أومن بها ـ وخلافاً لكلٍّ من أصحاب الإفراط والتفريط ـ أن كلتا الطائفتين فيها خير ، ولها حسنات وإيجابيات ، وأنها خيرٌ من الكفرة الخلص ، ومن المنافقين المندسين ، وإن كان قد يغلبُ خيرُ هذا شرَّه ، أو شرُّ هذا خيرَه ، وهذا ما أدين الله به .
وفيما يلي تلخيص لأهم نتائج البحث :
• من معاني الوسطية "التوسط بين طرفين" وهذا ما عنيته ، ولكن الطرفين المقصودين هما تيارا الإفراط والتفريط داخل الصحوة والدعوة .
• للحيدة عن الوسطية إلى أي من الاتجاهين أسبابٌ بعضها يرجع للشخص نفسه ، وبعضها يرجع لتربيته الأسرية ، وبعضها يرجع للمجتمع ، وبعضها يرجع لأسباب خارجية ، ذكرت منها 20 سبباً.
• من عجائب الإفراط أن يتفق طرفان على منهجية التكفير مع تناقضهما في المحتوى ، فتكفر كل منهما الأخرى .
• خطر تعميم قاعدة : "من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً" .
• المفَرّطون المتساهلون أقسام : فمنهم من يترخص لإرضاء الحكام ، ومنهم من يترخص افتتاناً بالأعداء وتزييناً للإسلام في أعينهم ، ومنهم من يفعله عن حسن نية ودفاعاً عن الدعوة .
• كشفت من خلال الأمثلة أن التطرف ـ في أي اتجاهيه ـ قد يقع من الفضلاء والعلماء الأجلاء ، ويكون الخطأ إنما هو في المسألة المعنية ، وليس منهجية عامة لصاحبها .
• بينت اهتما الأعداء بظاهرة الدعاة المفرّطين المتساهلين .
• جمعت 27 قاعدة أراها ـ بإذن الله تعالى ـ أدوية شافية من ظاهرتي الإفراط والتفريط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس المراجع
أ ـ الكتب :
• إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان (مجلدان) مؤسسة الرسالة بيروت ، ط 1 سنة 1423 هـ = 2003 م .
• إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لمحمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية (مجلدان) بتحقيق محمد حامد الفقي ، دار المعرفة ، بيروت ط2 سنة 1395 هـ = 1975 م .
• تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب ، للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ضمن المكتبة الشاملة) .
• تخليص العباد من وحشة أبي القتاد لعبد المالك الجزائري (مجلد) دار مداد ، القاهرة ط 1 سنة 2005 م .
• التراتيب الإدارية للشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (مجلدان) دار الكتاب العربي ، بيروت ، (بدون تاريخ) .
• حكم الغناء لعبد العزيز بن مرزوق الطريفي (غلاف) بدون معلومات الطبع .
• ظاهرة التدين الجديد لأنور الخضري (غلاف) نشر مركز التأصيل للدراسات والبحوث ، ط 1 ، 1429 هـ = 2008 م
• فصول لطالب العلم ، جمعها عبد القادر بن عبد العزيز (ضمن المكتبة الشاملة) .
• الفقه الإسلامي وأدلته للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي (10 مجلدات) دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الرابعة المنقَّحة المعدَّلة بالنسبة لما سبقها .
• المفصل في فقه الدعوة ، مجموعة بحوث جمعها الباحث : علي نايف الشحود ، (ضمن المكتبة الشاملة) .
• الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي (ت 790 هـ) بتحقيق : أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان (7 مجلدات) دار ابن عفان ، بيروت ط 1 سنة 1417 هـ = 1997 م .
ب ـ المواقع الألكترونية :
• www.arabnet5.com
• www.dr-alahmad.com
• www.alarabiya.net
• http://www.alasr.ws
• www.ahlalhdeeth.com
• dvd4arab.maktoob.com
اقرأ المزيد
���� : الوسطية بين الحقيقة والممارسة